responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 539
بِالْأُمِّيِّينَ الْعَرَبُ. وَبِالْآخَرِينَ سِوَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَقَوْلُهُ: وَآخَرِينَ مَجْرُورٌ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْمَجْرُورِ يَعْنِي الْأُمِّيِّينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَطْفًا عَلَى الْمَنْصُوبِ في وَيُعَلِّمُهُمُ [الجمعة: 2] أَيْ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيُعَلِّمُ آخَرِينَ مِنْهُمْ، أَيْ مِنَ الْأُمِّيِّينَ وَجَعَلَهُمْ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا صَارُوا منهم، فالمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلف أَجْنَاسُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التَّوْبَةِ: 71] وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ بِالدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة: 2] وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْكُتَّابَ وَالْحِكْمَةَ وَهُوَ الْعَزِيزُ مِنْ حَيْثُ جَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ أَثَرَ الذُّلِّ لَهُ وَالْفَقْرِ إِلَيْهِ، وَالْحَكِيمُ حَيْثُ جَعَلَ فِي كُلِّ مَخْلُوقٍ مَا يَشْهَدُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ حَيْثُ أَلْحَقَ الْعَجَمَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِقُرَيْشٍ، يَعْنِي إِذَا آمَنُوا أُلْحِقُوا فِي دَرَجَةِ الْفَضْلِ بِمَنْ شَاهَدَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَشَارَكُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يَعْنِي الْإِسْلَامَ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَعْنِي النُّبُوَّةُ فَضْلُ اللَّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَاخْتَصَّ بِهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واللَّه ذُو الْمَنِّ الْعَظِيمِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا بِتَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَفْخِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ضَرَبَ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ، وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلا فقال:

[سورة الجمعة (62) : آية 5]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ التَّوْحِيدَ وَالنُّبُوَّةَ، وَبَيَّنَ فِي النُّبُوَّةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بُعِثَ إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَالْيَهُودِ لَمَّا أَوْرَدُوا تِلْكَ الشُّبْهَةَ، وَهِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ أَتْبَعَهُ اللَّه تَعَالَى بِضَرْبِ الْمَثَلِ لِلَّذِينِ أَعْرَضُوا عَنِ الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ، وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ شُبِّهُوا بِالْحِمَارِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا لَانْتَفَعُوا بِهَا، وَلَمْ يُورِدُوا تِلْكَ الشُّبْهَةَ، وَذَلِكَ لَأَنَّ فِيهَا نَعْتَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْبِشَارَةَ بِمَقْدَمِهِ، وَالدُّخُولَ فِي دِينِهِ، وَقَوْلُهُ: حُمِّلُوا التَّوْراةَ أَيْ حُمِّلُوا الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا، وَكُلِّفُوا الْقِيَامَ بِهَا، وَحُمِّلُوا وَقُرِئَ: بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ، وَقَالَ صَاحِبُ «النَّظْمِ» : لَيْسَ هُوَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الظَّهْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْحَمَالَةِ بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكَفِيلِ: الْحَمِيلُ، وَالْمَعْنَى: ضُمِّنُوا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ ثُمَّ لَمْ يَضْمَنُوهَا وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْحَمِيلُ، الْكَفِيلُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: حَمَلْتُ لَهُ حَمَالَةً. أَيْ كَفَلْتُ بِهِ، وَالْأَسْفَارُ جَمْعُ سِفْرٍ وَهُوَ الْكِتَابُ الْكَبِيرُ، لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنِ الْمَعْنَى إِذَا قُرِئَ، وَنَظِيرُهُ شبر وأشبار، شبه اليهود إذا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ الْكُتُبَ الْعِلْمِيَّةَ وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هَذَا الْمَثَلُ مَثَلُ مَنْ يَفْهَمُ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ إِعْرَاضَ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَتْبَعَكُمْ [1] ثم تلا هذه

[1] معنى اتباع القرآن لهم إذا أهملوا العمل به عاقبهم اللَّه على تضيع أحكامه وعدم الامتثال بأوامره وإسناد الاتباع إلى القرآن مجاز.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 539
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست